سفيان عرجون الأسطورة
<div id="ball" style="z-index:99999; position:fixed; width:250px; height:100px; left:100%; top:100%; margin-top:-105px; margin-left:-260px; font-weight:normal; text-decoration:none;">
<table width="250" height="100" cellpadding="8px">
<tr><td valign="top" background="https://i.servimg.com/u/f85/14/35/47/42/b211.gif">
<table><tr><td style="padding:5px;">
<div style="float:right;"><a onclick='document.getElementById("ball").style.display = "none";return false;' href="#"><img border="0" src="https://2img.net/i/fa/admin/icones/supprimer.png"></a></div>
<a target="_blank" style="text-decoration:none;" href="/profile.forum?mode=register"><span style="font-weight:normal; font-size: 15px; font-family:verdana; color:#000000;">
<img border="0" src="https://2img.net/i/fa/valid.png"> <b>!!تنبيه !!</b>
<br />انت عزيزي الزائر تتصفح الموقع بصفتك زائر فضلاً اضغط هنا للتسجيل لتصفح الموقع بكامل الصلاحيات </span></span>
</td></tr></table>
</td></tr></table>
</div>
سفيان عرجون الأسطورة
<div id="ball" style="z-index:99999; position:fixed; width:250px; height:100px; left:100%; top:100%; margin-top:-105px; margin-left:-260px; font-weight:normal; text-decoration:none;">
<table width="250" height="100" cellpadding="8px">
<tr><td valign="top" background="https://i.servimg.com/u/f85/14/35/47/42/b211.gif">
<table><tr><td style="padding:5px;">
<div style="float:right;"><a onclick='document.getElementById("ball").style.display = "none";return false;' href="#"><img border="0" src="https://2img.net/i/fa/admin/icones/supprimer.png"></a></div>
<a target="_blank" style="text-decoration:none;" href="/profile.forum?mode=register"><span style="font-weight:normal; font-size: 15px; font-family:verdana; color:#000000;">
<img border="0" src="https://2img.net/i/fa/valid.png"> <b>!!تنبيه !!</b>
<br />انت عزيزي الزائر تتصفح الموقع بصفتك زائر فضلاً اضغط هنا للتسجيل لتصفح الموقع بكامل الصلاحيات </span></span>
</td></tr></table>
</td></tr></table>
</div>
سفيان عرجون الأسطورة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
المجلةالرئيسيةسفيان عرجونالتسجيلأحدث الصوردخولاستضافة الاحلام التونسيةfacebookرديو وتلفزةلمجلةأظف موقعكحالة الطقس والنشرة المتوقعة2eme site de Tunisia Sat Arjounالمنتدى الثالث الخاص بنا

 

 المذاهب الأربعَة نشأتها وشهرتها وانتشارها

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
zouhaier
كبير المشريفين
كبير المشريفين
zouhaier


الأوسمة : المراقب
جنسيتك : تونسية
كيف تعرفت علينا؟ : صدفة
رقم عضويه : 13
ذكر

عدد المساهمات : 39
نقاط التميز : 113
السمعة : 10
تاريخ التسجيل : 02/08/2009

المذاهب الأربعَة نشأتها وشهرتها وانتشارها Empty
مُساهمةموضوع: المذاهب الأربعَة نشأتها وشهرتها وانتشارها   المذاهب الأربعَة نشأتها وشهرتها وانتشارها I_icon_minitimeالإثنين مايو 31, 2010 2:24 am

المذاهب الأربعَة
نشأتها وشهرتها وانتشارها


تمهيد

وقبل البحث عن حياة أئمة المذاهب الأربعة يلزمنا ذكر أسباب نشأتها وكيف تكيف الإلتزام بها دون غيرها من المذاهب، حتى أصبح الوقوف عند قول إمام معيّن لازماً، ولا يمكن استنباط حكم شرعي لأيّ أحد دون اُولئك القوم الّذين وقفت قافلة التشريع الإسلامي عندهم، فأصبحوا المصدر للتشريع والمرجع الأعلى في الدين، حتى ادعي استحالة الاجتهاد لمن بعدهم، فأغلق بابه في وجوه المسلمين.

وغلق باب الاجتهاد جمود للتشريع ووقف لتطور حياة الاُمة، فتلك اُمور يلزمنا النظر فيها، ولا نستطيع فهمها إلاّ بعد أن ندرس الظروف التي تكونت فيها فكرة التمذهب بمذهب إمام معيّن، ونبحث عن أسباب نشأتها وعوامل انتشارها، فهل كانت دواعي الانتشار بسبب القيم الروحية؟ أم أنّها استندت إلى السلطة التنفيذية؟ وهل كانت مستقلة عن تأثير السلطة أم أنّها عرضة لذلك؟ وهل اخضعتها لمتابعتها أم أنّها خضعت لأغراض الولاة؟ وسيتضح لنا ذلك عندما نبحث عن نشأة المذاهب.

نشأة المذاهب

على أثر النجاح الذي أحرزته الجميعات السرية المنعقدة ضد النظام الاُموي طلع نجم بني العباس، وكان لهم نشاط سياسي في المجتمع، فهم في طليعة رجال حركة الانقلاب الذي أحدثته الاُمة لتحويل الحكم من البيت الاُموي إلى البيت العلوي، وكان العباسيون أشدّ الناس حماساً في إيقاد نار الثورة انتقاماً من الاُمويين لأبناء علي(عليه السلام)، وكانت هتافات الثورة هي الدعوة إلى الرضا من آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم). وكانوا بذلك يتغلغلون في أوساط الناس، وبواسطة هذا الشعار أوجدوا لأنفسهم مكاناً في قيادة تيّار النقمة وتوجيه الثورة، وهم في قرارات أنفسهم يستغلون شمولهم بتسمية أهل البيت(عليهم السلام)وقد أخفوا نواياهم حتى حين، إذ ليس من السهل أن يكاشفوا شيعة أهل البيت أو يصرحوا بعزمهم على العمل لأنفسهم كبيت عباسي مستقل، ولو فعلوا ذلك قبل نجاح الثورة فمن المؤكّد أنّ جماعات الثوار ستلفظهم أو تتّخذ ما يناسب ذلك، لأنّ الأمر في أذهان الناس لا يعدو آل محمد ولا يتجاوز البيت العلوي الذي كان قطب الرحى في المسيرة، وأيّ عمل يكشف عن نوايا العباسيين المبيّتة سيؤدي بهم بعيداً عن الثورة.

على هذا ثارت الاُمة وانتظمت صفوفها التي نالت الانتصار في تلك الحروب الدامية، ومحيت اُميّة من صفحة الوجود، ثم نال العباسيون ثمرة ذلك الغرس بمسايرة الركب ومجاراة المشاعر، فتاقت نفوسهم إلى انتحال هذا الاسم عسى أن يوفقوا لإقناع الاُمة بانطباقه عليهم فتكون لهم حكومة وراثية، وتمنحهم الاُمة ثقتها التامة.

وبالطبع أنّ هذه الفكرة لا تلاقي كثير قبول عند العرب وفي المدينة ومكّة في الخصوص، لذلك وجّهوا عنايتهم إلى الموالي، فأهل المدينة أعرف بآل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأدرى بنزول الآيات فيهم، وأحاديث النبيّ ووصاياه في آله، ولأنهم شاهدوا تلك الأعمال التي عامل الاُمويون بها آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وتألّموا لها، فكان كلّ ينكر ذلك ويتمنى مناصرتهم فلا يمكنهم أن يجعلوا العباسيين هم آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

وحذراً من انكار العرب وانضمامهم لجانب العلويين اقتضت سياستهم توجيه العناية إلى الموالي، وهم يأملون من وراء ذلك تثبيت قواعد المملكة اليوم والنقمة من العرب يوماً آخر.

المدينة والحركة العلمية

كانت المدينة المنوّرة مصدراً للفتيا ترجع إليهم الاُمة في مهمات التشريع الإسلامي، لأنّها مركز العلم وفيها أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته والتابعون لهم باحسان، وقد لاحظت الدولة الاُموية من قبل هذه المهمّة التي يجب أن تلاحظها، وهي اتّجاه الانظار إلى المدينة، لأنّها الجامعة الإسلامية ويخشى على الدولة خطرها، فكانت تحذّرهم أشدّ الحذر، فاستمالت أكثر الفقهاء بالعطاء والرجوع إليهم في المهمات، لتسد بذلك ثغرة الخطر على الدولة.

وفي العهد العباسي نشطت الحركة العلمية وكان طبيعياً أن تنتعش العلوم في ظلّ سلطانهم، لأنّهم كانوا يجعلون حقّهم في الإمامة قائماً على أنّهم سلالة النبيّ، وكانوا يقولون: إنّهم سيشيدون ـ على اطلال الحكومة الموسومة بالزندقة عند أهل التقى ـ نظاماً على سُنة النبيّ وأحكام الدين الإلهي.

فنهض أهل البيت(عليهم السلام) وبقية العلماء لنشر العلم، إذ وجد المسلمون حريّة الرأي، والتفّوا حول آل البيت لانتهال العلوم من موردهم العذب، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) هو الشخصية التي يتطلّع إليها الناس يوم طلع فجر النهضة العلمية; فحملوا عنه إلى سائر الاقطار، وقصده طلاب العلم من الانحاء القاصية، وفتحت مدرسته بتلك الفترة، فكان المنتمون إليها أربعة آلاف، كما مر ذكره.

وهذا النشاط العلمي لا يروق للدولة الفتيّة التي قامت على اطلال الدولة الاُموية بدون حقّ شرعي، وإنّما في صالح العلويين وانضمام العباسيين إليهم يطلبون الانتقام من اُميّة التي جرعتهم كأس الغصص، فهم كسائر البيوتات التي انضمت لهذه الدعوة، ولكنّهم نشطوا بالحيلة، وتغلّبوا باصطناع المعروف لآل البيت، فكانوا في حذر متواصل من العرب عامة ومن المدينة خاصة، لأنّ الأمر في المدينة غيره في الكوفة، فأهل المدينة قد وقفوا على حقيقة البيعة وأنّها لآل علي(عليه السلام)دون بني العباس، كما أنّهم كانوا في طليعة من بايع محمد بن عبد اللّه بن الحسن وفي رقبة السفاح والمنصور بيعته، فكيف يستقلان بالأمر وينقضان تلك البيعة؟

ولكنّ السفاح استطاع بمهارته استجلاب قلوب الناس إليه وتثبيت قواعد ملكه على أيدي الفرس، لأنّه لا يأمن وثبة العرب لجانب العلويين، فهم في نظر العباسيين أنصار بني علي لا أنصار بني العباس، كذلك كان من سياستهم في بدء الدعوة قتل كلّ من يتكلم بالعربية في بلاد فارس.

ومضى السفاح وجاء المنصور للحكم وهو ذلك الرجل الحديدي الذي يقتحم مواقع الخطر، ولا يتهيّب من إراقة الدماء، ولا يقف أمامه حاجز ولا يردعه وازع ديني في سبيل تركيز دعائم ملكه، إذ كان الخطر محيطاً به من كلّ الجهات وأمام غايته حواجز لا يتخطّاها إلاّ بالتجرّد عن العاطفة، ففتك بأهل البيت وبكثير من العباسيين أنفسهم، وأبعد علماء المدينة ونصر الموالي وأوجد تلك المعركة القوية; وهي معركة أهل الحديث وأهل الرأي.

فقرّب فقهاء العراق القائلين بالقياس، وأحاطهم بعنايته ليحول أنظار الناس إليهم، وبذلك تقلّ قيمة علماء أهل المدينة الذين هم أهل الفتيا إلى حدّ كبير، وما زالت الاقطار الإسلامية عيالاً عليهم، إذ هم حملة الحديث وأوثق الناس فيه.

أهل الحديث وأهل الرأي

وكان الحديث في العراق قليلاً، ولكن انفتح فيه باب الرأي والقياس، وقد أخذه حماد عن إبراهيم النخعي المتوفى سنة (95هـ 713م )، وأخذه أبو حنيفة المتوفى سنة (150 هـ ) عن حماد، وكان أهل الحديث يعيبون أهل الرأي بأنّهم يتركون الأحاديث لأقيستهم، والدين لايقاس بالرأي، وإنما سمّوا أهل الرأي، لأنّ عنايتهم بتحصيل وجه من القياس والمعنى المستنبط من الأحكام وبناء الحوادث عليها، وربّما يقدمون القياس الجليّ على آحاد الأخبار، وطريقتهم أنّ للشريعة مصالح مقصودة التحصيل من أجلها شرعت، فجعلوا هذه المصالح أصلاً من اُصول الأدلة، إذ لم يجدوا نصّاً في الكتاب والسنة الصحيحة عندهم، وقد كانت قليلة العدد لبعد العراق عن موطن الحديث.

وأما أهل الحديث فلم يجعلوا للقياس والرأي في استنباط الأحكام هذا المحل، واتّسعت شقّة الخلاف واحتدم النزاع وافترق أهل الفتيا إلى فرقتين .

وأنت ترى أنّ هذا النزاع بعد أن كان علميّاً محضاً أصبح مزيجاً بالسياسة أو التعصّب، وتعددت فيه عوامل التفرقة لتستند السلطة إلى أقوى الفريقين، واتّسع نطاق الخلاف، فترى مالك بن أنس يحطّ من كرامة العراقيين ويتحامل عليهم ويعلن بقوله: انزلوهم منزلة أهل الكتاب، لا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا واليكم وإلهنا وإلهكم واحد(111).

ودخل عليه محمد بن الحسن الشيباني فسمعه يقول هذه المقالة، ثم رفع رأسه فكأنّه استحيى فقال: يا أبا عبد اللّه أكره أن تكون غيبة، كذلك أدركت أصحابنا يقولون، وكان يقرأ إذا نظر إلى العراقيين: ( تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر)(112).

وكان يسمّي الكوفة دار الضرب، يعني انّها تضع الأحاديث وتضعها كما تخرج دار الضرب الدراهم والدنانير. وقال عطاء لأبي حنيفة: من أين أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال: أنت من أهل القرية الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً(113).

ومهما يكن من الأمر فقد تعصّب كلّ فريق إلى بلده وتنابزوا، وعيّر أهل المدينة بسماع الغناء، وأهل مكة بالمتعة، وأهل الكوفة بالنبيذ، واشتدّت عصبيّة كلّ قوم لبلادهم ، وحملتهم على وضع الأخبار في مدح قومه وبلده وذمّ مقابله، وعظم الانشقاق بين الطائفتين، وبالطبع أنّ الكوفة تضعف عن مقابلة الحجاز، ولكن السياسة الزمنية اقتضت أن تكون إلى جانب أهل الرأي لا حبّاً لهم، ولكن بغضاً لأهل المدينة، وأصبح لكلّ جانب أنصار ومتعصّبون، فكان مالك بن أنس في طليعة أهل الحديث، وأنصاره من الحجاز سفيان الثوري وأصحابه، وزعيم أهل الرأي أبو حنيفة وأصحابه وكثير من فقهاء العراق.

فالشافعي أخذ عن مالك وأصحابه، وأحمد المتوفى سنة (241 هـ ) (855م ) أخذ عن الشافعي المتوفى سنة (204 هـ ) (820 م ) وأصحابه .

وإنّما سمّوا أصحاب الحديث، لأنّ عنايتهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص ولا يرجعون إلى القياس.

يقول الشافعي: إذا ما وجدتم لي مذهباً ووجدتم خبراً على خلاف مذهبي فاعلموا أنّ مذهبي ذلك الخبر(114) وتبعه أصحابه، وهم : إسماعيل بن يحيى المزني، والربيع بن سليمان الجيزي، وحرملة بن يحيى، وأبو يعقوب البويطي، وابن الصباح، وابن عبد الحكم المصري ، وأبو ثور، وغيرهم.

وأمّا أصحاب الرأي ، فهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت، وأصحابه، محمدبن الحسن الشيباني، وأبو يوسف القاضي، وزفر بن الهذيل، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وأبو مطيع البلخي، وبشر المريسي، فهؤلاء عرفوا بأهل الرأي وقالوا أنّ الشريعة معقولة المعنى ولها اُصول يرجع إليها، ولا قتناعهم بمعقولية الشريعة وابتنائها على اُصول محكمة فهمت من الكتاب والسنة كانوا لا يحجمون عن الفتوى برأيهم، كما كان يفعل الفريق الأول فإنّهم يقفون ولا يتعدّون حدود النص، وكانوا يحبّون معرفة العلل والغايات التي من أجلها شرّعت الأحكام، وربّما ردّوا بعض الأحاديث لمخالفتها لاُصول الشريعة، ولا سيّما إذا عارضها حديث آخر.

وبهذا افترقت الاُمة الى فرقتين: أهل حديث وأهل رأي، أو أهل المدينة وأهل الكوفة، مع العلم بأنّ أهل العراق لا يقاسون بأهل المدينة في الحديث، فكان القياس عندهم أكثر، وعليه يبنون غالب فتاواهم، ونشط سير الحركة العلميّة في ذلك العصر.

نشوء المذاهب

أصبح النشاط العلميّ واسع النطاق، فكان في كلّ بلد إمام له مذهب ينسب إليه، وكثر عدد المذاهب المنتمون إليها، إلاّ أنّه لم يكتب البقاء لأكثرها واعتراها الانقراض، وكان لمؤسسيها الذين كثر اتباعهم تأريخ مجيد ومكانة سامية، ربّما فاقوا في نظر معاصريهم وذوي العلم منهم رؤساء المذاهب الذين وقفت قافلة الفقه عندهم، واقتصر استنباط الأحكام عليهم، ولكن عوامل انتشار مذاهبهم عجزت عن مسايرة الظروف; فلم يكتب لها البقاء، ومحيت من صفحة الوجود ولم يبق لأبناء السنة منها إلاّ الأربعة:

المالكي

والحنفي

والشافعي

والحنبلي

أما المذاهب التي انقرضت فهي كثيرة ونذكر منها:

1 ـ مذهب عمر بن عبد العزيز المتوفى سنة (101 هـ ) (720 م )

2 ـ مذهب الشعبي المتوفى سنة (105 هـ ) (723 م )

3 ـ مذهب الحسن البصري المتوفى سنة (110 هـ )

4 ـ مذهب الأعمش المتوفى سنة (148 هـ ) (764 م )

5 ـ مذهب الأوزاعي المتوفى سنة (157 هـ ) (773 م )

6 ـ مذهب سفيان الثوري المتوفى سنة (161 هـ ) (777 م )

7 ـ مذهب الليث المتوفى سنة ( 175 هـ )

8 ـ مذهب سفيان بن عيينة المتوفى سنة (198 هـ ) (814 م )

9 ـ مذهب إسحاق المتوفى سنة (238 هـ )

10 ـ مذهب أبي ثور المتوفى سنة (240 هـ ) (854 م )

11 ـ مذهب داود الظاهري المتوفى سنة (270 هـ ) (883 م )

12 ـ مذهب محمد بن جرير المتوفى سنة (310 هـ ) (923 م )

ومذهب عبد اللّه بن أباض(115) وغيرها من مذاهب المسلمين التي تتفق أحياناً وتفترق أحياناً في كثير من المسائل الشرعية، ومنهم من جعل في تعداد هذه المذاهب، مذهب عائشة، مذهب ابن عمر، مذهب ابن مسعود، مذهب إبراهيم النخعي، ولزيادة البيان نذكر طرفاً من حياة بعض أولئك العلماء ورؤساء المذاهب.

سفيان الثوري

أبو عبد اللّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي المتولد سنة (65هـ ) وتوفي بالبصرة سنة (161 هـ ) متوارياً عن السلطان، وعدّه ابن قتيبة في عداد الشيعة، وهو أحد الأئمة المجتهدين. وله مذهب لم يطل العمل به لقلّة اتباعه وعدم مؤازرة السلطة له، إذ كان طريداً يخشى سطوتهم وهم يطلبونه حتى مات مختفياً منهم، وهو أحد تلامذة الإمام الصادق(عليه السلام) وخرّيج مدرسته، وكان إماماً من أئمة المسلمين، قيل روى عنه عشرون ألفاً، وكان والده سعيد بن مسروق من محدثي الكوفة وثّقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي.

نشأ الثوري في مسقط رأسه الكوفة نشأة صالحة، وكان بيته معروفاً وله مكانة في محيطه، فهو من فقهاء العراق الذين تشدّ إليهم الرحال في طلب العلم، وأراد المنصور قتله فلم يتمكن، ودعي إلى القضاء فهرب، كان يتحرّى مواقف الصدق في مواجهة العباسيين ويعمل على الاستمساك بتعاليم الدين، فلمّا عزم المنصور على ابن أبي ذؤيب أن يقول رأيه فيه واستعفاه ابن أبي ذؤيب وأصر المنصور، قال ابن أبي ذؤيب: أشهد أنّك أخذت هذا المال من غير حقّه فجعلته في غير أهله، وأشهد أنّ الظلم ببابك فاش. فلمّا انصرف لقيه سفيان الثوري فقال له: يا أبا الحارث لقد سرّني ما خاطبت به هذا الجبار، ولكن ساءني قولك له: ابنك المهدي. فقال: يغفر الله لك، يا أبا عبدالله، كلنا مهدي، كلّنا كنّا في المهد. وبقي مذهبه معمولاً به إلى القرن الرابع(116).

سفيان بن عيينة

أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، مولاهم الكوفي المتوفى سنة (198 هـ ) كان إماماً عالماً ثبتاً أخذ العلم عن الصادق(عليه السلام) والزهري وابن دينار وأبي إسحاق وغيرهم، وروى عنه الشافعي وشعبة بن الحجاج وخلق كثير، قال الشافعي: ما رأيت أحداً فيه آلة الفتيا ما في سفيان، وما رأيت أكف منه عن الفتيا، وثّقه العجلي والشافعي وغيرهم، وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وله مذهب يعمل به ولم يطل عمره وانقرض في القرن الرابع، لقلّة اتباعه وأنصاره وعدم ملاءمته لسلطان عصره، ودفن بمكّة(117).

الحسن البصري

أبو سعيدالحسن بن أبي الحسن يسار البصري المتوفى سنة (110 هـ ) كان من التابعين، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري واُمّه خيرة مولاة اُمّ سلمة زوج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

نشأ بوادي القرى، وكان من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابّته فحدث بأنفه ماشوّه خلقته، كان مؤازراً لبني مروان يشدّ أزرهم وله علاقة وثيقة مع الولاة والاُمراء ويلاقي منهم الإكرام، وكان لهم في ثغر البصرة بقوة الدفاع أعظم من الجيوش المدربة في ساحات الحرب، حتى قالوا: لولا لسان الحسن وسيف الحجاج لَوُئِدَتْ الدولة المروانية في لحدها وأخذت من وكرها، وكان مدلساً في حديثه كما نصّ عليه الحفاظ ولم يطل العمل بمذهبه.

كان الحسن البصري يتفق مع سياسة الدولة الاُموية ويروي عن علي(عليه السلام) ، فإذا حدّث عنه قال: قال أبو زينب (يعني علياً ) مجاراة للدولة التي اقتضت سياستها أن لا يظهر إسم علي(عليه السلام) ، ونقل عنه أنّه تكلّم في علي فقال له أبان بن عياش: ما هذا الذي يقال عنك إنك قلته في علي؟ فقال: يا ابن أخي، أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة ولولا ذلك لسالت بي أعشب(118) .

ولا شكّ أنّ هذا من أظهر موارد التقية، وكان له مجلس علم حاشد بالعلماء لعظيم منزلته من الدولة، وفي مجلسه نشأت فكرة الاسم والحكم التي كانت أساساً لمذهب الاعتزال.

الأوزاعي

عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي إمام الشاميين المتوفى سنة (157 هـ). انتشر مذهبه بالشام كما انتشر مذهب مالك في الحجاز وأبي حنيفة في العراق، وعمل أهل الشام بمذهبه مدة من الزمن، وانتشر بالأندلس، ثم اندرس مذهبه وحلّ محله مذهب الشافعي، وعندما عيّن محمد بن عثمان الشافعي قاضياً على دمشق حكم بمذهب الشافعي، وهو أوّل من نشره هناك وبقي مذهب الأوزاعي إلى سنة (302 هـ ) .

وكانت للأوزاعي شخصيّة مرموقة في عصره، ولن يعدم العناية من السلطة، فقد كان في العهد الاُموي محترماً مبجّلاً، لأنّه على شاكلتهم ، ومن المؤيدين لدولتهم، والمناصرين لهم، واتخذته السياسة رمزاً دينياً لأغراضها الخاصة، وفي العهد العباسي قرّبوه لمكانته عند أهل الشام، فكانوا يستميلونه ويقرّبون محلّه ، وكان المنصور يعظّمه ويراسله، لأنه عرف عن الانحراف عن آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما يتضح لنا ذلك من تتبع آرائه وأقواله.

يروي الأوزاعي، قال: بعث إليَّ أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين، وأنا بالساحل فأتيته، فلما وصلت إليه وسلمت عليه بالخلافة ردّ عليَّ واستجلسني، ثم قال لي: ما الذي أبطأبك عنّا يا أوزاعي؟ قال: قلت وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟ قال: اُريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم.

وأما منزلته العلميّة فلا تنكر في عصره وبعد عصره. روى ابن القطان عن مالك بن أنس أنّه قال: اجتمع عندي أبو حنيفة والثوري والأوزاعي، فقلت: أيّهم أرجح؟ قال: الأوزاعي. ومات في خلوة في الحمام، وذلك أنّ زوجته أوقدت له كانون فحم واغلقت الباب عليه فمات(119).

ابن جرير الطبري

أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد بن غالب الطبري، المتولد سنة (224 هـ ) بآمل الطبرستان، وتوفي ببغداد في 26 شوال سنة (310 هـ ) .

هو من المجتهدين لم يقلّد أحداً، وله مذهب عمل به مدة، واعتنقه جماعة منهم أبو فرج المعافى بن زكريا النهرواني المعروف بابن طراز. قال محمدبن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم تحت أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، وقال الخطيب البغدادي: كان حافظاً لكتاب اللّه تعالى، عارفاً بالقرآن، بصيراً بالمعاني، فقيهاً بأحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين فمن بعدهم(120).

داود بن علي الظاهري

أبو سليمان داود بن علي خلف المعروف بالظاهري، ولد بالكوفة سنة (202 هـ ) ونشأ ببغداد وتوفي بها سنة (270 هـ )، وكان له لون خاص في التشريع لعمله في الظاهر.

استمرّ العمل بمذهب داود إلى القرن السابع الهجري، وكان من اتباعه وأئمته عبد الحقّ بن عبد الرحمن الأشبيلي المتوفى سنة (610هـ )، ومحمد بن الحسين المشهور بالميورقي المتوفى منتصف القرن السادس ، ومجد الدين عمرو بن حسن بن علي بن محمد بن فرج المتوفى سنة (623هـ ) وكان من المحدثين. ومن أئمة هذا المذهب محمد بن حزم(121)، صاحب الفصل في الملل والنحل، وصاحب المحلى على قواعد المذهب الظاهري.

قطع هذا المذهب شوطاً من الزمن بخطى ثقيلة، ولكنّا نراه يسرع في خطاه وينتشر بنطاق واسع عندما تولى المغرب يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وأعلن تمسّكه به، وأعرض عن مذهب مالك الذي غمر المغرب بانتشاره، فعظم المذهب الظاهري وكثر أتباعه، وانقطع علم الفروع وخاف الفقهاء سطوة السلطان عندما فرض اعتناق هذا المذهب، وأمر باحراق كتب مذهب مالك، كمدونة سحنون، وكتاب ابن يونس ، ونوادر ابن أبي زيد والتهذيب للبردعي.

قال في المعجب: ولقد شهدت منها وأنا يومئذ بمدينة فاس يؤتى منها بالأحمال فتوضع وتطلق النار عليها . واستمر المذهب، وقد عدّه المقدسي في «أحسن التقاسيم» خامساً للمذاهب(122).

الليث بن سعد

أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن المتولد سنة (92 هـ ) والمتوفى يوم الخميس أو الجمعة منتصف شعبان سنة (175 هـ) بمصر، ودفن بالقرافة الصغرى وقبره أحد المزارات هناك، وله مكانة علميّة، ومذهب يعمل به، وكان يقرن بمالك بن أنس، يقول الشافعي: الليث أفقه من مالك إلاّ أنّ أصحابه لم يقوموا به ، وكان ابن وهب يقرأ على الشافعي مسائل الليث، فمرّت به مسألة، فقال رجل: أحسن واللّه الليث كأنّه كان يسمع مالكاً يجيب فيجيب هو، فقال ابن وهب للرجل: بل كان مالك يسمع الليث يجيب، فيجيب هو، واللّه الذي لا إلـه إلاّ هو ما رأينا أفقه من الليث .

وكان أهل مصر ينتقصون عثمان، فنشأ فيهم الليث فحدّثهم بفضائل عثمان فكفوا، ولم يسعده الحظ بأنصار ينشرون مذهبه فيكتب له الخلود، وقد انقرض لمدة قليلة، يقول الاُستاذ أحمد أمين: «لو تعصّب المصريون لمن نبغ منهم لاحتفظوا بمذهبه، ولكانوا أتباعه، ولكن زامر الحي لا يطرب وأزهد في عالم أهله» .

وفي الواقع أنّ عدم اشتهار مذهبه وانتشاره من عدم امتزاجه بسلطان عصره، فقد طلبه المنصور للقضاء، فأبى وقال: إنّي أضعف عن ذلك، ولم يكن من أصحابه من يتولاه; فالقضاء هو عامل قويّ لخلود المذاهب وبقائها، كما يأتي بيانه.

ومما يؤثر عنه أنه لقي الرشيد، فسأله الرشيد: ما صلاح بلادكم؟ قال: يا أمير المؤمنين، صلاح بلادنا إجراء النيل وصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكدر، فإذا صفا رأس العين صفت العين.

وقال في النجوم الزاهرة: كان الليث كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير من بها في عصره، بحيث إن القاضي والنائب من تحت إمرته ومشورته، وكان الشافعي يتأسّف على فوات لقياه; وقد كتب بعض من غاظه ذلك إلى المنصور:

أمير المؤمنين تلاف مصراً *** فإن أميرها ليث بن سعد(123)

عمر بن عبد العزيز

عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، كان تابعيّاً جليلاً، روى عن أنس بن مالك وغيره، وكان أعدل ملوك الاُمويين، مرّ بيان ترجمته عند ذكرنا لملوك عصر الإمام الصادق(عليه السلام) واُمراء بلده، ولا نعلم بالضبط الآخذين بمذهبه والعاملين به ولا نعلم مدة بقائه، وربما كانت له آراء خاصة أخذها الناس عنه، فعدّ في عداد المذاهب. ولا يخفى أنّ لمنزلته الدينية وفقهه أثرهما في الناس بعد أن استلم الحكم، والناس لاترى من حكام بني اُمية إلاّ ثلاثة أوجه: كره العلويين، وظلم الناس، واقتراف الموبقات. ونقل عنه قول: ما يسرّني أنّ أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة.

الأعمش

أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش مولى بني كاهل من ولد أسد المعروف بالأعمش الكوفي المتوفى سنة (148هـ ) ، كان ثقة عالماً، وكان أبوه من دنباوند وهي ناحية من رستاق الري في الجبال، وكان يقارن بالزهري في الحجاز، ورأى أنس بن مالك لكنّه لم يسمع منه، ويروي عن أنس إرسالاً أخذه عن أصحاب أنس، وروى عنه سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وكان لطيف الخلق مزّاحاً.

دخل أبو حنيفة يوماً لعيادته فطوّل القعود عنده، فلما عزم على القيام قال أبو حنيفة: ماكأنّي إلا ثقلت عليك . فقال: واللّه إنّك الثقيل عليّ وأنت في بيتك. وعاده أيضاً جماعة وأطالوا الجلوس عنده، فضجر منهم فأخذ وسادته وقام وقال: شفى اللّه مريضكم بالعافية.

ولد الأعمش سنة (60 هـ )، وقيل أنه ولد يوم مقتل الحسين(عليه السلام) وعدّه ابن قتيبة في كتاب المعارف من جملة من حملت به اُمّه بسبعة أشهر وتوفي سنة (148 هـ ) أي في السنة التي توفي بها الإمام الصادق(عليه السلام)، ولم يكن لمذهبه ظهور وانتشار في المجتمع، وانقرض بمدة قليلة(124).

الشعبي

عامر بن شراحيل الشعبي أبو عمر الكوفي المتوفى سنة (105 هـ ) سمع من جماعة من الصحابة وقال: أدركت خمسمائة منهم، وكان قاضياً لعمر بن عبد العزيز، وكان محدّث الكوفة وكان يفتي على ماصح عنده من الأثر، وينقبض عن الفتوى إن لم يجد نصاً، ولا يقول برأيه، ونسبة المذهب اليه لما صدر عنه من الفتوى، وإلاّ فلم يشتهر عنه ذلك والعمل به قليل(125).

هؤلاء بعض رؤساء المذاهب البائدة، وهي كثيرة تزيد على الخمسين، ونقصر الخطى على هؤلاء ، فالاستقصاء يقصينا عن الغاية التي نطلب من ورائها كشف الحقيقة.

وليس لنا غرض في التعرّف عليهم، ولكنّ الغرض أن نعرف الأسباب التي دعت إلى محو هذه المذاهب من صفحة الوجود، واثبات المذاهب الأربعة، مع العلم ان رؤساء المذاهب البائدة لهم منزلة علمية. ونستطيع القول بأنّ أكثرهم كانوا أعلم من رؤساء المذاهب الأربعة: فسفيان الثوري لقبوه بأمير المؤمنين في الحديث وسيد الحفاظ وغير ذلك، كما قاله شعبة وأبوعاصم وابن معين وغيرهم، وقال ابن المبارك: كتبت عن الف شيخ كان سفيان أفضلهم. وقال القطان: الثوري أحبّ إليّ من مالك(126); إلى غير ذلك من أقوال علماء الرجال ممّا لم نعثر على مثلها لأبي حنيفة وغيره، نعم من طرق اتباعهم تتعدى حدّ الحصر، واعطف عليه سفيان بن عيينة وابن جريح والليث وغيرهم، فإنّهم بمكانة من العلم، وقد رجع الناس إليهم في الفتيا مدة من الزمن، واستمرّ العمل بمذاهبهم، ثم انقرضت ولم يبق لأهل السنة إلاّ المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي .

أما أتباع آل البيت(عليهم السلام) فقد بقيت آراؤهم ومعتقداتهم في الاُصول والفروع وغيرهما أقوى من أن تلين للسياسة وتدخّلات الولاة والاُمراء... وإذا شوهدوا في بعض الأحيان يميلون إلى التقية والى تحاشي ضغائن الملوك، فإنّ ذلك كان من عزم الاُمور ودرء المهالك عن أنفسهم حين يرون أنّ دماءهم أحفظ للدين من إراقتها دون طائل.

فالحكام في العهدين الاُموي والعباسي لا يتورعون عن سفك الدماء الطاهرة ولا يتوقفون في ظلمهم لآل البيت عند حدّ، ولهذا كان الإمام الصادق يرى في تعرض أهله من آل الحسن الى تك المحنة والعذاب أمراً يجرّئ الظالمين أكثر على انتهاك حرمات أهل البيت، ويصبح انتهاك حرمات الناس أبسط بكثير، فقال (عليه السلام) وهو يرى موكب آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): «والله لا تحفظ لله حرمة بعد هذا»

ولا يندرج المذهب الجعفري في سياق نشأة المذاهب لاُمور عدّة منها:

1 ـ استقلال فقه أهل البيت عن السلطة الجائرة وتعلّقه بالإمامة والسلطة الروحية.

2 ـ في العهد الاُموي حيث لم تأخذ المذاهب صفتها الرسمية ولم ترسُ على عدد معين، كان الشيعة هم الخطر الحقيقي الذي يهدد بقاء الاُمويين في كلّ حين، فكان الاعتقاد بمذهب الشيعة استعداداً للموت والتضحية.

3 ـ في العهد العباسي حيث أرست الدولة عدد المذاهب لم يكن الشيعة من أجزاء السلطة بل ظلّوا على العمل بقاعدة مقاطعة الظالمين، فيما كان وجودهم الفقهي والعلمي يتسع وينتشر برغم إرادة العباسيين، وقد شيّدوا بناءهم الفكري بعيداً عن مؤثرات السلطة وعلى الضد من رغبات الحكّام.

وهنا يلزمنا البحث عن عوامل انتشار المذاهب الأربعة.
المذهب الحنفي


ينسب إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، من أهل كابل أو من أهل نسا، وكان اسمه عتيك بن زوطره، وكان أبوه عبداً مملوكاً لرجل من ربيعة من بني تيم اللّه بن ثعلبة من فخذ يقال لهم بنو قفل، ولد سنة (80 هـ ) في نسا، وتوفي سنة (150هـ ) في بغداد(127).

كانت دعوة العباسيين قائمة على أساس الانتماء إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّهم سلالة البيت النبوي، فهم أحقّ بالأمر من اُميّة خصوم الإسلام واعداء محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالطبع إنّهم يقيمون على أطلال تلك الدولة المتهمة بمخالفة الدين، دولة ذات صبغة دينية، يحاولون أن يظهروا الاتصال الوثيق بين الدين والدولة، ليكوّنوا من أحكام الشريعة الإسلامية دستوراً ونظاماً تسير الدولة عليه سيراً صورياً، فقرّبوا العلماء، واتّصلوا بهم اتصالاً وثيقاً وآثروا نشر العلم، وجعلوا القضاء بيد أهل الرأي من أهل العراق، حتى ولي أبو يوسف القضاء، وهو أقوى عوامل انتشار المذهب الحنفي لمكانة أبي يوسف وسلطته التنفيذية يومذاك، فكانت للمذهب الحنفي خطوة واسعة في قطع مسافة الشهرة بما لم يسعد به غيره. فأبو يوسف(128) هو تلميذ أبي حنيفة وقد تربّى في نعمه، وبتوليته منصب القضاء استطاع نشر المذهب، وولي منصب رئاسة القضاء العامة في عهد الرشيد سنة (170هـ ) فلم يقلد ببلاد العراق وخراسان والشام ومصر إلاّ من أشار به القاضي أبو يوسف(129)، وذلك لمكانته في الدولة ومنزلته عند الرشيد، حتى قال له الرشيد: يا يعقوب لو جاز لي إدخالك في نسبي ومشاركتك في الخلافة المفضية إليّ لكنت حقيقاً به، ألست القائل لأخي وقت كذا وكذا؟ وفي وقت كذا وكذا؟ يشير بذلك إلى ما عزم عليه الهادي من خلع الرشيد واستشارة أبي يوسف في ذلك، وجوابه له برد عزمه، فكان الرشيد يشكر لأبي يوسف هذه اليد، حتى قيل لم يتمكن أحد كتمكن أبي يوسف من الرشيد، وقال بشر المريسي: ما اشتهيت من مراتب السلطان إلاّ مرتبة رأيت أبا يوسف بلغها عشية من العشايا. وقال أحمد بن يوسف الكاتب: وبلغ أبو يوسف مع الرشيد مبلغاً لم يبلغه عالم بعلمه ولا محبوب بمرتبته(130).

وقال ابن عبد البر: كان أبو يوسف قاضي القضاة قضى لثلاثة من الخلفاء، ولي القضاء في بعض أيام المهدي ثم للهادي ثم للرشيد، وكان الرشيد يكرّمه ويجلّه، وكان عنده حظياً مكيناً، لذلك كانت له اليد الطولى في نشر ذكر أبي حنيفة وإعلاء شأنه، لما أوتي من قوة السلطان وسلطان القوة(131).

وإذا نظرنا إلى مقوّمات المذهب في نفسه نجد ذلك يرجع لجهود أربعة من أصحاب أبي حنيفة، فإنّهم الّفوا فيه وهذّبوا مسائله، وليس لأبي حنيفة إلاّ المشاركة في الرأي أحياناً، وخالفوه في اكثر المسائل، كما أ نّهم وسعوا دائرة المذهب في الحيل الشرعية.

فأوّل اُولئك النفر هو أبو يوسف القاضي، فقد خدم المذهب في قوة سلطانه، وفي تصنيف الكتب وتبويب المسائل، وقد أدخل الحديث في فقه أبي حنيفة. وألّف كتاب الخراج لهارون الرشيد مستنبطاً من الحديث على مذهب مالك وغلبت على آرائه العناية بمصالح السلطان الزمنية.

والثاني محمد بن الحسن الشيباني مولاهم المتولد(132) سنة (132هـ ) والمتوفى سنة (189 هـ ) نشأ بالكوفة وعاش تحت ظل الدولة العباسية، أدرك أبا حنيفة ولم ينتفع منه لحداثة سنّه، فأتمّ دراسة المذهب على أبي يوسف، وكان ذا فطنة وذكاء، وأصبح المرجع لأهل الرأي في نبوغه وتقدمه، وألف في المذهب كتباً هي في الحقيقة المرجع الأول فيه، فإنّ الحنفية ليس بأيديهم إلاّ كتبه، وخرج إلى المدينة ولقي مالكا وقرأ الموطأ عليه، ثم رجع إلى بلده فطبّق مذهب أصحابه على الموطأ مسألة مسألة(133) ،ونظم الفقه الحنفي وخالف أبا حنيفة في أكثر مسائله.

والثالث زفر بن الهذيل المتولد سنة (110 هـ ) كان من أهل الرأي، وكان أقيس أصحاب أبي حنيفة(134).

والرابع الحسن بن زياد(135) اللؤلؤي مولى الأنصار، درس على أبي حنيفة ثم على أبي يوسف وعلى محمد بعده، وصنّف الكتب في مذهب أبي حنيفة، ولم تكن كتبه بتلك الدرجة من الاعتبار عند الحنفية كما كانت لكتب محمد بن الحسن(136).

فهؤلاء الأربعة هم دعامة رقي المذهب وسعة دائرته، ولم ينقل لنا التاريخ عن أبي حنيفة كتاباً يتضمن مسائله وفقهه، وإنّما دوّن علم المذهب أصحابه.

نعم ينسب لأبي حنيفة كتاب يسمى الفقه الأكبر هو وريقات قليلة لايتضمن إلاّ شيئاً من العقائد، وقد شرح ووسع واُضيفت إليه آراء اُخر مع أنّ الأكثرية يذهبون إلى نسبة هذا الكتاب إلى أبي حنيفة البخاري(137)، وليس هو أبا حنيفة رئيس المذهب، وبهذا يصبح لا أثر له في تدوين أي شيء، كما أنّ أبا حنيفة لا يفارق فتوى إبراهيم وعبد الرزاق إلا في مواضع يسيرة. والغرض أنّ المذهب إنما انتشر وكثرت مسائله بأعمال هؤلاء الأربعة ومساعيهم. ثم جاء من بعدهم علماء نسبوا لهذا المذهب، فكانت لهم آراء مستقلة وتكونت مجموعة من الفقه وكلها تنسب لأبي حنيفة، وإن لم يُفْتِ بها ولم يعرفها، ولكنهم قالوا: إنّ أبا حنيفة أمر أصحابه بأن يأخذوا من أقواله بما يتّجه لهم من الدليل عليه حتى صار ما قالوه قولاً له لابتنائه على قواعده التي أسسها لهم، وسيأتي الكلام حول هذا الموضوع.
المذهب المالكي


ينسب إلى الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ولد سنة (93هـ ) بالمدينة، وحملت به اُمه سنتين، وقيل أكثر وتوفي سنة (179 هـ ). واللّه أعلم.

وكان من نتائج النزاع الذي حدث بين أهل العراق وأهل المدينة، أو أهل الحديث وأهل الرأي، ظهور شخصية أبي حنيفة في العراق ومالك في الحجاز، وكانت السلطة تؤيد جانب أصحاب أبي حنيفة وتشدّ أزرهم، وتقدّم الموالي لتحطّ من قيمة العرب، لأنّهم في نظر السلطة أعداء يتكتمون فلا يأمنون جانبهم من وثبة يوماً ما لميلهم للعلويين، وأنّهم ليترقبونها في غالب الأحيان فهم دائماً في حذر، وكان مالك ممّن انضمّ لجانب العلويين، وأخذ العلم عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وأظهر القول بجواز الخروج مع محمد (النفس الزكية)، فأهين لذلك وناله الأذى وتعصّب له قوم وناصروه وأصبحت له مكانة في المجتمع، ولحظت السلطة أهمية مكانته، فرأت من اللازم أن تجعله تحت عنايتها لتوجد منه شخصية علمية توجه إليه المجتمع طوعاً أو كرهاً، فأصبح محترماً إلى أبعد حدود الاحترام.

ويعطينا الإمام الشافعي صورة عن عظيم منزلته، عندما دخل المدينة يحمل إلى واليها كتاباً من والي مكّة توصية منه بالشافعي، ويطلب منه ايصاله إلى مالك ، قال الشافعي: فأبلغت الكتاب إلى الوالي فلمّا أن قرأه قال: يافتى إنّ المشي من جوف المدينة إلى جوف مكّة حافياً راجلاً أهون عليّ من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذلة حتى أقف على بابه.

قال الشافعي: فقلت أصلح اللّه الأمير أن رأى يوجه إليه ليحضر، قال: هيهات! ليت إنّي إذا ركبت أنا ومن معي، وأصابنا من تراب العقيق نلنا بعض حاجاتنا. قال: فواعدته العصر وركبنا جميعاً فواللّه لكان كما قال، فتقدم رجل فقرع الباب فخرجت الينا جارية سوداء فقال لها الأمير: قولي لمولاك إنّي بالباب، قال: فدخلت فأبطأت، ثم خرجت فقالت: إنّ مولاي يقرؤك السلام ويقول: إن كانت لك مسألة فارفعها في رقعة يخرج إليك الجواب، وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس; فانصرفت; فقال: قولي له معي كتاب والي مكّة إليه في حاجة مهمة، قال: فدخلت وخرجت وفي يدها كرسي فوضعته، ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة فرفع إليه الوالي الكتاب(138).

ونحن إذ نقيس منزلة مالك بين العهدين، نجد الفرق بيّناً فنراه في عهد أحد الولاة مغضوباً عليه يسحب ويجرد من ثيابه ويضرب خمسين سوطاً ويهان.

ونراه في العهد الثاني يتهيب الوالي أن يكلّمه. فمالك في حاليه يعطينا درساً في معرفة أغراض السياسة مع رجال الاُمة، وأنّ لها ألواناً من المعاملة مع الأشخاص الذين تريد أن تستخدمهم بالمغريات.

والغرض أنّ نجم مالك بزغ بذلك الاُفق فأصبحت له شخصية مرموقة دون غيره من شيوخه الذين هم أعلم وأفقه كربيعة الرأي(139) وغيره، فامتاز بتلك المنزلة واكتست شخصيته بأبراد العظمة، وحاول العباسيون أن يجعلوا منه مرجعاً عامّاً للاُمة في الفتوى، ولكنّها محاولة لم تنجح ، وقد أمره المنصور بوضع كتاب يحمل الناس عليه بالقهر، فكلّمه مالك في ذلك وامتنع، فقال المنصور: ضعه فما أحد اليوم أعلم منك(140)، فوضع الموطأ.

وهذه الكلمة لها مكانتها في نظر الاعتبار، فالمنصور حينما يعلن بأنّ مالكاً أعلم الناس، ويلزمه بوضع كتاب تصادق عليه الدولة فيكون نظامها المتّبع، وتطلب الالتحاق بقافلة الدين ـ وما أبعدها عن ذلك ـ فمن يستطيع أن يتخلّف عن الاعتراف بمنزلة مالك، وأنّه أعلم الاُمة؟

والرشيد يأمر عامله على المدينة بأن لا يقطع أمراً دون مالك، وكان الرشيد يجلس على الأرض أمامه لا ستماع حديثه.

كيف لا يكون لمالك ظهور وسمعة ومنادي السلطان يهتف أيّام الحج: أن لا يفتي إلاّ مالك. فأصبحت له مكانة في المجتمع وهيبة في النفوس ، وتقرّب الناس إليه بشتى الوسائل ، والتفّوا حوله، وتزاحموا على مجلسه الذي عيّن له وقتاً خاصاً في يوم معيّن يزدحم الناس فيه لاستماع الحديث وأخذ الفتيا، وله كاتب بين يديه يقرأ للناس، وليس لأحد أن يدنو منه، ولا ينظر في كتابه، ولا يستفهمه في شيء، وبذلك لا يستطيع أحد مناقشته، وكان على رأسه سودان يأتمرون بأمره.

قال إسماعيل الفزاري: دخلت على مالك وسألته أن يحدّثني، فحدثني اثني عشر حديثاً ثم أمسك ، فقلت: زدني أكرمك اللّه، وكان له سودان قيام على رأسه، فأشار إليهم فأخرجوني من داره(141).

ولا ريب أنّ هذه المعاملة من مالك تبعثنا على التساؤل من أسباب امتناع مالك وبخله على الناس بما ينفعهم من أحاديث نبوية وإرشادات تربوية. وهذا الوضع منه لا شك أنّه مستغرب، لأن السنة الشريفة أمرت بنشر العلم وتوعدت من يكتمونه.

ويحدّثنا أبو بكر بن عبد اللّه الصنعاني قال: أتينا مالك بن أنس فحدّثنا عن ربيعة الرأي فكنّا نستزيده، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذاك الطاق؟ فأتينا ربيعة فقلنا: كيف يحظى بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك ؟ فقال: أما علمتم أنّ مثقالاً من دولة خير من حمل علم(142).

ولابدّ من التنويه برضى مالك بما أقبل عليه السلاطين وترك أيديهم تلعب بأحواله الخاصة، فأصابه من جبريّة الحاكم شيء سنأتي على تفاصيله، حسب البحث إن شاء الله.

ومهما يكن من أمر فقد أسعده الحظّ، فكان له شأن ولمذهبه قبول ولكتابه منزلة، حتى قالوا: ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب اللّه أصحّ من كتاب مالك. وفي لفظ آخر، ما على الأرض كتاب هو أقرب إلى القرآن من كتاب مالك.

[font:fc69='Traditional Ar
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
zied
اليد اليمنى ونائب المدير الأول وصاحب منتدى http://tunisia-sat-zaidoun.mazikaraby.com
اليد اليمنى ونائب المدير الأول وصاحب منتدى http://tunisia-sat-zaidoun.mazikaraby.com
zied


الأوسمة : المدير العام
جنسيتك : تونسية
كيف تعرفت علينا؟ : صديق
رقم عضويه : 115
ذكر

الحصان
عدد المساهمات : 6
نقاط التميز : 8
السمعة : 10
تاريخ التسجيل : 21/04/2010
العمر : 33
الموقع : http://tunisia-sat-zaidoun.mazikaraby.com

المذاهب الأربعَة نشأتها وشهرتها وانتشارها Empty
مُساهمةموضوع: رد: المذاهب الأربعَة نشأتها وشهرتها وانتشارها   المذاهب الأربعَة نشأتها وشهرتها وانتشارها I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 08, 2010 2:04 pm

merci 3lik ya zouhaier
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المذاهب الأربعَة نشأتها وشهرتها وانتشارها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نبذه عن المذاهب الاربعه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
سفيان عرجون الأسطورة ::  اامنتدى ااإسلامي  :: اامنتدى ااإسلامي ااعام-
انتقل الى: